الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
واللهو كل باطل ألهى عن الخير وعما يعني ولهو الحديث نحو السمر بالأساطير التي لا أصل لها والغناء وكان ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما يحلفان أنه الغناء.وقيل: الغناء مفسدة للقلب منفدة للمال مسخطة للرب.وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين: أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت» والاشتراء من الشراء كما روي عن النضر، أو من قوله: {اشتروا الكفر بالإيمان} أي استبدلوه منه واختاروه عليه أي يختارون حديث الباطل على حديث الحق.وإضافة اللهو إلى الحديث للتبيين بمعنى من، لأن اللهو يكون من الحديث ومن غيره فبيّن بالحديث والمراد بالحديث الحديث المنكر كما جاء في الحديث: «الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش» أو للتبعيض كأنه قيل: ومن الناس من يشتري بعض الحديث الذي هو اللهو منه.{ليُضلَّ} أي ليصد الناس عن الدخول في الإسلام واستماع القرآن، {ليضَل} مكي وأبو عمرو أي ليثبت على ضلاله الذي كان عليه ويزيد فيه {عَن سَبيل الله} عن دين الإسلام والقرآن {بغَيْر علْمٍ} أي جهلًا منه بما عليه من الوزر به {وَيَتَّخذَهَا} أي السبيل بالنصب كوفي غير أبي بكر عطفًا على {ليضل} ومن رفع عطفه على {يشتري} {هُزُوًا} بسكون الزاي والهمزة: حمزة، وبضم الزاي بلا همز: حفص، وغيرهم بضم الزاي والهمزة {أُوْلَئكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهينٌ} أي يهينهم ومن لإبهامه يقع على الواحد والجمع أي النضر وأمثاله.{وَإذَا تتلى عَلَيْه ءاياتنا ولى مُسْتَكْبرًا} أعرض عن تدبرها متكبرًا رافعًا نفسه عن الإصغاء إلى القرآن {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} يشبه حاله في ذلك حال من لم يسمعها وهو حال من {مستكبرا} والأصل كأنه والضمير ضمير الشأن {كَأَنَّ في أُذُنَيْه وَقْرًا} ثقلًا وهو حال من {لم يسمعها} {أذنيه} نافع {فَبَشّرْهُ بعَذَابٍ أَليمٍ إنَّ الذين ءامَنُوا وَعَملُوا الصالحات لَهُمْ جنات النعيم} ولا وقف عليه لأن {خالدين فيهَا} حال من الضمير في {لهم} {وَعْدَ الله حَقّا} مصدران مؤكدان الأول مؤكد لنفسه والثاني مؤكد لغيره إذ لهم جنات النعيم في معنى وعدهم الله جنات النعيم، فأكد معنى الوعد بالوعد، و{حقًا} يدل على معنى الثبات فأكد به معنى الوعد ومؤكدهما {لهم جنات النعيم} {وَهُوَ العزيز} الذي لا يغلبه شيء فيهين أعداءه بالعذاب المهين {الحكيم} بما يفعل فيثيب أولياءه بالنعيم المقيم.{خَلَقَ السماوات بغَيْر عَمَدٍ} جمع عماد {تَرَوْنَهَا} الضمير للسماوات وهو استشهاد برؤيتهم لها غير معمودة على قوله: {بغير عمد} كما تقول لصاحبك أنا بلا سيف ولا رمح تراني، ولا محل لها من الأعراب لأنها مستأنفة أو في محل الجرصفة ل {عمد} أي بغير عمد مرئية يعني أنه عمدها بعمد لا ترى وهي إمساكها بقدرته {وألقى في الأرض رَوَاسىَ} جبالًا ثوابت {أَن تَميدَ بكُمْ} لئلا تضطرب بكم {وَبَثَّ} ونشر {فيهَا من كُلّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا منَ السماء مَاء فَأَنْبَتْنَا فيهَا من كُلّ زَوْجٍ} صنف {كَريمٍ} حسن {هذا} إشارة إلى ما ذكر من مخلوقاته {خَلَقَ الله} أي مخلوقه {فَأَرُونى مَاذَا خَلَقَ الذين من دُونه} يعني آلهتهم بكّتهم بأن هذه الأشياء العظيمة مما خلقه الله، فأروني ما خلقته الهتكم حتى استوجبوا عندكم العبادة {بَل الظالمون في ضلال مُّبينٍ} أضرب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالتورط في ضلال ليس بعده ضلال.{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ الحكمة} وهو لقمان ابن باعوراء ابن أخت أيوب أو ابن خالته.وقيل: كان من أولاد آزر وعاش ألف سنة وأدرك داود عليه السلام وأخذ منه العلم وكان يفتي قبل مبعث داود عليه السلام، فلما بعث قطع الفتوى فقيل له فقال: ألا أكتفي إذا كفيت؟ وقيل: كان خياطًا.وقيل نجارًا وقيل راعيًا وقيل، كان قاضيًا في بني إسرائيل.وقال عكرمة والشعبي: كان نبيًا.والجمهور على أنه كان حكيمًا ولم يكن نبيًا.وقيل: خير بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة وهي الإصابة في القول والعمل.وقيل: تتلمذ لألف وتتلمذ له ألف نبي.وإن في {أَن اشكر للَّه} مفسرة والمعنى أي اشكر الله لأن إيتاء الحكمة في معنى القول، وقد نبه الله تعالى على أن الحكمة الأصلية والعلم الحقيقي هو العمل بهما وعبادة الله والشكر له حيث فسر إيتاء الحكمة بالحث على الشكر.وقيل: لا يكون الرجل حكيمًا حتى يكون حكيمًا في قوله وفعله ومعاشرته وصحبته، وقال السري السقطي: الشكر أن لا تعصي الله بنعمه.وقال الجنيد: أن لا ترى معه شريكًا في نعمه.وقيل: هو الإقرار بالعجز عن الشكر.والحاصل أن شكر القلب المعرفة، وشكر اللسان الحمد، وشكر الأركان الطاعة، ورؤية العجز في الكل دليل قبول الكل.{وَمَن يَشْكُرْ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لنَفْسه} لأن منفعته تعود إليه فهو يريد المزيد {وَمَن كَفَرَ} النعمة {فَإنَّ الله غَنىٌّ} غير محتاج إلى الشكر {حَميدٌ} حقيق بأن يحمد وإن لم يحمده أحد {وَإذْ} أي واذكر إذ {قَالَ لُقْمَانُ لابْنه} أنعم أواشكم {وَهُوَ يَعظُهُ يا بنى} بالإسكان مكي {يا بني} حفص بفتحه في كل القرآن {لاَ تُشْركْ بالله إنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظيمٌ} لأنه تسوية بين من لا نعمة إلا وهي منه ومن لا نعمة له أصلًا.{وَوَصَّيْنَا الإنسان بوالديه حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا على وَهْنٍ} أي حملته تهن وهنًا على وهن أي تضعف ضعفًا فوق ضعف أي يتزايد ضعفها ويتضاعف لأن الحمل كلما ازداد أو عظم ازدادت ثقلًا وضعفًا {وَفصَالُهُ في عَامَيْن} أي فطامه عن الرضاع لتمام عامين {أَن اشكر لى ولوالديك} هو تفسير ل {وصينا} أي وصيناه بشكرنا وبشكر والديه.وقوله: {حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين} اعتراض بين المفسر والمفسر لأنه لما وصى بالوالدين ذكر ما تكابده الأم وتعانيه من المشاق في حمله وفصاله هذه المدة الطويلة تذكيرًا بحقها العظيم مفردًا.وعن ابن عيينة: من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله، ومن دعا للوالدين في أدبار الصلوات الخمس فقد شكرهما {إلَىَّ المصير} أي مصيرك إليّ وحسابك عليّ {وَإن جاهداك على أَن تُشْركَ بى مَا لَيْسَ لَكَ به علْمٌ} أراد بنفي العلم به نفيه أي لا تشرك بي ما ليس بشيء يريد الأصنام {فَلاَ تُطعْهُمَا} في الشرك {وصاحبهما في الدنيا مَعْرُوفًا} صفة مصدر محذوف أي صحابًا معروفًا حسنًا بخلق جميل وحلم واحتمال وبر وصلة {واتبع سَبيلَ مَنْ أَنَابَ إلَىَّ} أي سبيل المؤمنين في دينك ولا تتبع سبيلهما فيه وإن كنت مأمورًا بحسن مصاحبتهما في الدنيا.وقال ابن عطاء: صاحب من ترى عليه أنوار خدمتي.{ثُمَّ إلَيَّ مَرْجعُكُمْ} أي مرجعك ومرجعهما {فَأُنَبئُكُم بمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فأجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما.وقد اعترض بهاتين الآيتين على سبيل الاستطراد تأكيدًا لما في وصية لقمان من النهي عن الشرك يعني إنا وصيناه بوالديه وأمرناه أن لا يطيعهما في الشرك وإن جهدا كل الجهد لقبحه.{يا بنى إنَّهَا إن تَكُ مثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ} بالرفع: مدني، والضمير للقصة وأنت المثقال لإضافته إلى الحبة كما قال:
وكان تامة والباقون بالنصب والضمير للهنة من الإساءة والإحسان أي إن كانت مثلًا في الصغر كحبة خردل {فَتَكُنْ في صَخْرَةٍ أَوْ في السماوات أَوْ في الأرض} أي فكانت مع صغرها في أخفى موضع وأحرزه كجوف الصخرة، أو حيث كانت في العالم العلوي أو السفلي والأكثر على أنها التي عليها الأرض وهي السجين يكتب فيها أعمال الفجار وليست من الأرض {يَأت بهَا الله} يوم القيامة فيحاسب بها عاملها {إنَّ الله لَطيفٌ} بتوصل علمه إلى كل خفي {خَبيرٌ} عالم بكنهه أو لطيف باستخراجها خبير بمستقرها {يا بنى أَقم الصلاة وَأْمُرْ بالمعروف وانه عَن المنكر واصبر على مَا أَصَابَكَ} في ذات الله تعالى إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، أو على ما أصابك من المحن فإنها تورث المنح {إنَّ ذلك} الذي وصيتك به {منْ عَزْم الأمور} أي مما عزمه الله من الأمور أي قطعه قطع إيجاب وإلزام أي أمر به أمرًا حتمًا، وهو من تسمية المفعول بالمصدر وأصله من معزومات الأمور أي مقطوعاتها ومفروضاتها، وهذا دليل على أن هذه الطاعات كانت مأمورًا بها في سائر الأمم.{وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ للنَّاس} أي ولا تعرض عنهم تكبرًا.{تصاعر} أبو عمرو ونافع وحمزة وعلي، وهو بمعنى تصعّر، والصعر داء يصيب البعير يلوي منه عنقه والمعنى: أقبل على الناس بوجهك تواضعًا ولا تولهم شق وجهك وصفحته كما يفعله المتكبرون {وَلاَ تَمْش في الأرض مَرَحًا} أي تمرح مرحًا، أو أوقع المصدر موقع الحال أي مرحًا، أو ولا تمش لأجل المرح والأشر {إنَّ الله لاَ يُحبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ} متكبر {فَخُورٌ} من يعدد مناقبه تطاولا.{واقصد} القصد التوسط بين العلو والتقصير {فى مَشْيكَ} أي اعدل فيه حتى يكون مشيًا بين مشيين لا تدب دبيب المتماوتين ولا تثب وثوب الشطار.قال عليه السلام: «سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن» وأما قول عائشة في عمر رضي الله عنه: كان إذا مشى أسرع، فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوت، وعن ابن مسعود رضي الله عنه: كانوا ينهون عن خبب اليهود ودبيب النصارى ولكن مشيًا بين ذلك.وقيل: معناه وانظر موضع قدميك متواضعًا {واغضض من صَوْتكَ} وانقص منه أي اخفض صوتك {إنَّ أَنكَرَ الأصوات} أي أوحشها {لَصَوْتُ الحمير} لأن أوله زفير وآخره شهيق كصوت أهل النار.وعن الثوري: صياح كل شيء تسبيح إلا الحمار فإنه يصيح لرؤية الشيطان ولذلك سماه الله منكرًا.وفي تشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير وتمثيل أصواتهم بالنهاق تنبيه على أن أرفع الصوت في غاية الكراهة يؤيده ما روي أنه عليه السلام كان يعجبه أن يكون الرجل خفيض الصوت ويكره أن يكون مجهور الصوت.وإنما وحد صوت الحمير ولم يجمع لأنه لم يرد أن يذكر صوت كل واحد من احاد هذا الجنس حتى يجمع، بل المراد أن كل جنس من الحيوان له صوت، وأنكر أصوات هذه الأجناس صوت هذا الجنس فوجب توحيده.{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُمْ مَّا في السماوات} يعني الشمس والقمر والنجوم والسحاب وغير ذلك {وَمَا في الأرض} يعني البحار والأنهار والمعادن والدواب وغير ذلك {وَأَسْبَغَ} وأتم {عَلَيْكُمْ نعَمَهُ} مدني وأبو عمرو وسهل وحفص.{نعمة} غيرهم والنعمة كل نفع قصد به الإحسان {ظاهرة} بالمشاهدة {وَبَاطنَةً} ما لا يعلم إلا بدليل ثم قيل: الظاهرة البصر والسمع واللسان وسائر الجوارح الظاهرة، والباطنة القلب والعقل والفهم وما أشبه ذلك.ويروى في دعاء موسى عليه السلام: إلهي دلني على أخفى نعمتك على عبادك فقال: أخفى نعمتي عليهم النفس.وقيل: تخفيف الشرائع وتضعيف الذرائع والخلق ونيل العطايا وصرف البلايا وقبول الخلق ورضا الرب.وقال ابن عباس: الظاهرة ما سوّى من خلقك والباطنة ما ستر من عيوبك.{ومنَ الناس مَن يجادل في الله بغَيْر علْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كتاب مُّنيرٍ} نزلت في النضر بن الحرث وقد مر في الحج.{وَإذَا قيلَ لَهُمُ اتبعوا مَا أَنزَلَ الله قَالُوا بَلْ نَتَّبعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْه ءابَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشيطان يَدْعُوهُمْ إلى عَذَاب السعير} معناه أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعوهم أي في حال دعاء الشيطان إياهم إلى العذاب. اهـ.
|